يسرني أن ألتقي بممثلي الاتحادات العربية والدولية والجامعات المصرية في اجتماعاتهم اليوم لبحث “المشاكل والصعوبات في منازعات التحكيم الدولي وكيفية مواجهتها” وتبادل وجهات النظر.
يسرني أن ألتقي بممثلي الاتحادات العربية والدولية والجامعات المصرية في اجتماعاتهم اليوم لبحث “المشاكل والصعوبات في منازعات التحكيم الدولي وكيفية مواجهتها” وتبادل وجهات النظر.
وتبدو أهمية هذا الموضوع في تنامي الالتجاء إلى التحكيم بعد أن فرض نفسه اليوم تقريبا على جميع منازعات التجارة الخارجية، إلى درجة النص على ذلك في جميع اتفاقيات حماية الاستثمار الموقعة بين الدول، سواء كانت ثنائية أو دولية، وذلك بدلا من الالتجاء إلى القضاء الوطني داخل الدولة. كما فرضت اتفاقيات حماية الاستثمار ما يمكن تسميته اليوم بآلية أو أتوماتيكية التحكيم بصورة لم تكن معهودة من قبل، وهكذا أزدهر التحكيم من أجل التجارة، ولم توجد التجارة من أجل التحكيم.
ولقد دفع تطور مفهوم التحكيم وتطبيقاته إلى ظهور ما يمكن تسميته بالقضاء الخاص بعيدا عن سيادة الدولة سواء كان ذلك فيما يتعلق باختيار القضاة أو بتحديد الإجراءات مما أصبح متروكا لأطراف النزاع أنفسهم، هذا علاوة على اختيار القانون الواجب التطبيق على النزاع.
وعلي هذا النحو عصف التحكيم في مجال التجارة الدولية بكثير من مقومات السيادة الوطنية للدول مما ساعد الشركات الكبرى والقوى الاقتصادية على خدمة مصالحها. ووصل الأمر إلى الحد الذي يسمح بإتخاذ الإجراءات وصدور الأحكام حتي في حالة عدم موافقة أحد الأطراف على شرط التحكيم.
وهو ما تجلى في الدور الذي يؤديه مركز حل منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولي بواشنطن والمسمى بالأكسيد ( ICSID) حيث ينظر القضايا التي ترفعها الشركات الكبرى ضد حكومات الدول النامية رغم عدم وجود اتفاق التحكيم بين الطرفين المتنازعين . وكل ذلك يقتضي النظر بحذر شديد إلى الاتفاقيات الدولية التي تعترف بالمنظمات التي تسمي بالتحكيم الجبري رغم عدم دستوريته.
وقد أدي ذلك إلى ظهور جيل من طبقة تسيطر على التحكيم التجاري الدولي لإرضاء جشع الشركات العالمية الكبرى التي تسخرهم للوصول إلى الحلول التي تكفل كسب مطالبها وتبرير الخسائر التي تلحق الجهات التابعة للدول النامية حتى وصل الأمر في بعض الأحوال إلى الالتجاء إلى وسائل غير مشروعة من التدليس والاصطناع، مهد لها الضغط على أطراف النزاع وفقًا للقوانين الأجنبية على مظنة تخلف تشريعات الدول النامية وقد أدي كل ذلك إلى أن أصبح الالتجاء إلى التحكيم في المنازعات التجارية الدولية مغامرة غير مأمونة العواقب مما وضع بذور الشك في وظيفة التحكيم بوجه عام وتوجيه الاتهام إلى مراكز التحكيم إلى الدرجة التي وصفها البعض بأنها صارت منابر تجارية تتم من خلال المنافسة الشرسة بين تجار القانون. ووصل الأمر إلى القول بوجود استعمار قانوني تقوده مراكز التحكيم المشبوهة بجانب أشكال أخري من الاستعمار مثل الاستعمار السياسي والاستعمار الاقتصادي.
أمام هذه الاعتبارات كان ضروريًا خدمة وتنقية طريق التحكيم التجاري الدولي مما أحاطه من شوائب ووضع إطار قانوني سليم يحفظ له حياده واستقلاله ويضمن فاعليته، فضلا عن التحرر من سيطرة مراكز التحكيم الأجنبي المشبوهة.
إذا كان طريق التحكيم في التجارة الدولية محفوفًا بالمخاطر أمام المصالح الدولية التي قد تعصف بحياده وفاعليته، فإن هناك مشاكل وصعوبات تعوق التحكيم التجاري الدولي تضاعف من حدة هذه المخاطر وتتمثل أهم هذه المشكلات في ابرام العقود التجارية الدولية بإحكام ودقة وفي صياغة شرط التحكيم وتبدو الآفة الكبرى في عدم اشتراط اللغة العربية في كتابة العقود بجانب اللغة الأجنبية وكذلك في عدم الاختيار الصحيح والنزيه للمحكمين المناسبين لطبيعة النزاع مما يتمتعون بثقافة قانونية ودولية كبيرة، هذا بجانب نقص وضعف الكوادر والكفاءات والخبرات القانونية والاقتصادية، بجانب ما تعانيه الدول من عدم احكام قوانين التجارة الدولية بها وسياسات الاستثمار فيها وتفشي ظواهر الفساد في المعاملات التجارية الدولية وإذا كان للتحكيم مشاكله وصعوباته ، فإن تحديد مكانة بصورة تكفل عدم خضوعه لمصالح الدول الأجنبية عامل هام يمكن أن يسهم في الحد من الكثير من المخاطر التي صادفها التحكيم الذي تديره بعض مراكز التحكيم الأجنبية لأسباب عديدة.
ولا يفوتنا أن ننبه إلى ضرورة خضوع حكم التحكيم للرقابة القانونية، لأن الالتزام بسيادة القانون لا يتعارض مع حرية أطراف النزاع في حله عن طريق التحكيم… وننوه في هذا الصدد با استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا في مصر وكذا قضاء محكمة النقض المصرية من أن بطلان حكم التحكيم ليس طعنا على هذا الحكم، بل من أجل مراقبة صحة تطبيق وتوافر إعمال القانون الواجب التطبيق، وننوه أيضًا بحكم أصدرته محكمة النقض المصرية في 21 من يناير 2016 تضمن عدم جواز مخالفة مشارطة التحكيم لأحكام النظام العام لانطوائها على إحدى حالات الغش والتحايل للإفلات من نصوصه الآمرة.
وفي الختام، فإني أرجو لهذا الملتقي العربي الهام أن يسهم في تقديم الحلول الناجحة لمشاكل التحكيم وصعوباته وأن يؤكد على أهمية توفير آلية عربية تكفل تحكميًا نزيها عادلا لمنازعات التجارة الدولية التي يكون من أطرافها مستثمر عربي، مع حسن إعداد المحكمين العرب، وتأصيل القائمين على صياغة العقود الدولية وصياغة مشارطات التحكيم.
وتبدو أهمية هذا الموضوع في تنامي الالتجاء إلى التحكيم بعد أن فرض نفسه اليوم تقريبا على جميع منازعات التجارة الخارجية، إلى درجة النص على ذلك في جميع اتفاقيات حماية الاستثمار الموقعة بين الدول، سواء كانت ثنائية أو دولية، وذلك بدلا من الالتجاء إلى القضاء الوطني داخل الدولة. كما فرضت اتفاقيات حماية الاستثمار ما يمكن تسميته اليوم بآلية أو أتوماتيكية التحكيم بصورة لم تكن معهودة من قبل، وهكذا أزدهر التحكيم من أجل التجارة، ولم توجد التجارة من أجل التحكيم.
ولقد دفع تطور مفهوم التحكيم وتطبيقاته إلى ظهور ما يمكن تسميته بالقضاء الخاص بعيدا عن سيادة الدولة سواء كان ذلك فيما يتعلق باختيار القضاة أو بتحديد الإجراءات مما أصبح متروكا لأطراف النزاع أنفسهم، هذا علاوة على اختيار القانون الواجب التطبيق على النزاع.
وعلي هذا النحو عصف التحكيم في مجال التجارة الدولية بكثير من مقومات السيادة الوطنية للدول مما ساعد الشركات الكبرى والقوى الاقتصادية على خدمة مصالحها. ووصل الأمر إلى الحد الذي يسمح بإتخاذ الإجراءات وصدور الأحكام حتي في حالة عدم موافقة أحد الأطراف على شرط التحكيم.
وهو ما تجلى في الدور الذي يؤديه مركز حل منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولي بواشنطن والمسمى بالأكسيد ( ICSID) حيث ينظر القضايا التي ترفعها الشركات الكبرى ضد حكومات الدول النامية رغم عدم وجود اتفاق التحكيم بين الطرفين المتنازعين . وكل ذلك يقتضي النظر بحذر شديد إلى الاتفاقيات الدولية التي تعترف بالمنظمات التي تسمي بالتحكيم الجبري رغم عدم دستوريته.
وقد أدي ذلك إلى ظهور جيل من طبقة تسيطر على التحكيم التجاري الدولي لإرضاء جشع الشركات العالمية الكبرى التي تسخرهم للوصول إلى الحلول التي تكفل كسب مطالبها وتبرير الخسائر التي تلحق الجهات التابعة للدول النامية حتى وصل الأمر في بعض الأحوال إلى الالتجاء إلى وسائل غير مشروعة من التدليس والاصطناع، مهد لها الضغط على أطراف النزاع وفقًا للقوانين الأجنبية على مظنة تخلف تشريعات الدول النامية وقد أدي كل ذلك إلى أن أصبح الالتجاء إلى التحكيم في المنازعات التجارية الدولية مغامرة غير مأمونة العواقب مما وضع بذور الشك في وظيفة التحكيم بوجه عام وتوجيه الاتهام إلى مراكز التحكيم إلى الدرجة التي وصفها البعض بأنها صارت منابر تجارية تتم من خلال المنافسة الشرسة بين تجار القانون. ووصل الأمر إلى القول بوجود استعمار قانوني تقوده مراكز التحكيم المشبوهة بجانب أشكال أخري من الاستعمار مثل الاستعمار السياسي والاستعمار الاقتصادي.
أمام هذه الاعتبارات كان ضروريًا خدمة وتنقية طريق التحكيم التجاري الدولي مما أحاطه من شوائب ووضع إطار قانوني سليم يحفظ له حياده واستقلاله ويضمن فاعليته، فضلا عن التحرر من سيطرة مراكز التحكيم الأجنبي المشبوهة.
إذا كان طريق التحكيم في التجارة الدولية محفوفًا بالمخاطر أمام المصالح الدولية التي قد تعصف بحياده وفاعليته، فإن هناك مشاكل وصعوبات تعوق التحكيم التجاري الدولي تضاعف من حدة هذه المخاطر وتتمثل أهم هذه المشكلات في ابرام العقود التجارية الدولية بإحكام ودقة وفي صياغة شرط التحكيم وتبدو الآفة الكبرى في عدم اشتراط اللغة العربية في كتابة العقود بجانب اللغة الأجنبية وكذلك في عدم الاختيار الصحيح والنزيه للمحكمين المناسبين لطبيعة النزاع مما يتمتعون بثقافة قانونية ودولية كبيرة، هذا بجانب نقص وضعف الكوادر والكفاءات والخبرات القانونية والاقتصادية، بجانب ما تعانيه الدول من عدم احكام قوانين التجارة الدولية بها وسياسات الاستثمار فيها وتفشي ظواهر الفساد في المعاملات التجارية الدولية وإذا كان للتحكيم مشاكله وصعوباته ، فإن تحديد مكانة بصورة تكفل عدم خضوعه لمصالح الدول الأجنبية عامل هام يمكن أن يسهم في الحد من الكثير من المخاطر التي صادفها التحكيم الذي تديره بعض مراكز التحكيم الأجنبية لأسباب عديدة.
ولا يفوتنا أن ننبه إلى ضرورة خضوع حكم التحكيم للرقابة القانونية، لأن الالتزام بسيادة القانون لا يتعارض مع حرية أطراف النزاع في حله عن طريق التحكيم… وننوه في هذا الصدد با استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا في مصر وكذا قضاء محكمة النقض المصرية من أن بطلان حكم التحكيم ليس طعنا على هذا الحكم، بل من أجل مراقبة صحة تطبيق وتوافر إعمال القانون الواجب التطبيق، وننوه أيضًا بحكم أصدرته محكمة النقض المصرية في 21 من يناير 2016 تضمن عدم جواز مخالفة مشارطة التحكيم لأحكام النظام العام لانطوائها على إحدى حالات الغش والتحايل للإفلات من نصوصه الآمرة.
وفي الختام، فإني أرجو لهذا الملتقي العربي الهام أن يسهم في تقديم الحلول الناجحة لمشاكل التحكيم وصعوباته وأن يؤكد على أهمية توفير آلية عربية تكفل تحكميًا نزيها عادلا لمنازعات التجارة الدولية التي يكون من أطرافها مستثمر عربي، مع حسن إعداد المحكمين العرب، وتأصيل القائمين على صياغة العقود الدولية وصياغة مشارطات التحكيم.