تمويل الكيان الإرهابي
نصت المادة الثالثة من قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2015 على أنه يقصد بتمويل الإرهاب جمع أو تلقي أو حيازة أو إمداد أو نقل أو توفير أموال أو أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات أو مهمات أو آلات أو بيانات أو معلومات أو مواد أو غيرها بشكل مباشر أو غير مباشر، وبأية وسيلة كانت بما فيها الشكل الرقمي أو الإلكتروني، وذلك بقصد استخدامها كلها أو بعضها في ارتكاب أية جريمة إرهابية أو العلم بأنها ستستخدم في ذلك، أو بتوفير ملاذ آمن لإرهابي أو أكثر، أو لمن يقوم بتمويله بأي من الطرق المتقدم ذكرها.
ترجع علة تجريم تمويل الإرهاب إلى ما تبين من أن قوة الإرهاب ترجع إلى حد كبير إلى القدرة المالية للإرهابيين، بحسب أن التخطيط للعمليات الإرهابية وتنفيذها، بما يتضمنه من تعقد الكيانات الإرهابية وشبكات العملاء الإرهابيين – تتطلب بالضرورة الاعتماد على الموارد المالية. ولذلك عقدت الاتفاقية الدولية للمعاقبة على تمويل الإرهاب سنة 1999، ونصت المادة 2/1 منها على أن تجرم أطراف الاتفاقية سلوك أي شخص يقدم بأي وسيلة كانت، مباشرة أو غير مباشرة، وبشكل غير مشروع، وبإرادته – أموالا أو يجمعها بنية استخدامها في أعمال إرهابية معينة، أو إذا كان يعلم أنها سوف تستخدم كليا أو جزئيا في عمل مما يدخل في نطاق (أ) و(ب) مما نصت عليه هذه الاتفاقية، ويتضمن جريمة في نطاق إحدى المعاهدات الخاصة بجرائم الإرهاب والسابق صدورها قبل اتفاقية تمويل الإرهاب.
ويلاحظ أن اتفاقية سنة 1999 بشأن تمويل الإرهاب قد توسعت في تعريف المقصود بتمويل الإرهاب، فلم تقيده بتقديم الأموال بنية استخدامها في أعمال إرهابية معينة، بل وسعت مدلوله إلى مجرد جمع الأموال من أجل تحقيق هذا الغرض. وهذا ما أخذ به القرار بقانون رقم 8 لسنة 2015 في شأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، فقد عرفت المادة الأولى منه المقصود بالتمويل في تطبيق أحكامه بأنه جمع أو تلقي أو حيازة أو إمداد أو نقل أو توفير أموال أو أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات أو مهمات أو آلات أو بيانات أو معلومات أو مواد أو غيرها، بشكل مباشر أو غير مباشر، وبأية وسيلة كانت، وذلك بقصد استخدامها، كلها أو بعضها، في ارتكاب أية جريمة إرهابية، أو العلم بأنها ستستخدم في ذلك، أو بتوفير ملاذ لإرهابي أو أكثر، أو لمن يقوم بتمويله بأي من الطرق المتقدم ذكرها. وجاء قانون مكافحة الإرهاب الصادر بالقرار بقانون رقم 94 لسنة 2015 فاعتنق في مادته الثانية التعريف ذاته.
ويستوي أن تكون مصادر تمويل الإرهاب أموالا مشروعة أو غير مشروعة، مادام الغرض من تقديمها استخدامها في عمل إرهابي. وهو ما يميز جريمة تمويل الإرهاب عن جريمة غسل الأموال التي تقع عندما يكون مصدر الأموال القذرة المراد غسلها ارتكاب جناية أو جنحة، وهو ما لا يشترط في تجريم تمويل الإرهاب، فقد يكون مصدر التمويل معاملات مشروعة، فإذا وقعت جريمة تمويل الإرهاب فإن الحصول على هذا التمويل في حد ذاته يجعله متحصلا من جريمة، فإذا قام من تلقى التمويل بإخفاء مصدره الإجرامي عن طريق غسل هذه الأموال، وقعت منه أيضا جناية غسل الأموال. وهو ما يلجأ إليه كثير من ممولي الإرهاب، الأمر الذي ضاعف من خطورة جريمة غسل الأموال.
يقوم الركن المادي لتمويل الإرهاب بإحدى صورتين:
(الأولى) جمع أو تلقي أو حيازة أو إمداد أو نقل أو توفير أموال أو أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات أو مهمات أو آلات أو بيانات أو معلومات أو مواد أو غيرها، سواء تم ذلك مباشرة أو بطريق غير مباشر، وأيا كانت الوسيلة المتبعة بما في ذلك الوسيلة التي تخذ الشكل الرقمي أو الإلكتروني.
(الثانية) توفير ملاذ آمن لإرهابي أو أكثر، أو لمن يقوم بتمويله بأي من طرق التمويل السالف الإشارة إليها.
يتوافر هذا الركن بالقصد الجنائي العام بعنصريه الإرادة والعلم. يجب أن تتجه الإرادة لا إلى مجرد التمويل بل إلى تحقيق غرض معين هو استخدام التمويل في ارتكاب أية جريمة إرهابية، أو العلم بأنه سيستخدم في ذلك.
ويلاحظ أن قصد ارتكاب أية جريمة إرهابية ليس قصدا خاصا في الجريمة، لأن التمويل وحده ليس محل التجريم، بل لابد أن يكون مشفوعا بغرض ارتكاب أية جريمة إرهابية. وقد أكد المشرع هذا المعنى حين جعل العلم بأن التمويل سيستخدم لتحقيق لتحقيق هذا الغرض. ويجب أن يكون العلم مؤكدا، فإذا كان احتماليا مشفوعا بقبول الممول تحقيق هذا الاحتمال توافر القصد الجنائي الاحتمالي الذي يعد من أشكال القصد الجنائي.
ويتعين توافر هذا القصد الجنائي في الصورة الثانية للركن المادي، فلا تقع هذه الجريمة إذا كان التمويل بقصد إفلات الإرهابي من الوقوع في قبضة العدالة، دون إخلال بوقوع جريمة تمكين مرتكب جريمة إرهابية من الهرب قبل أو بعد القبض عليه المنصوص عليها في المادة 7 من قانون مكافحة الإرهاب، فضلا عن ارتكاب الجريمة المنصوص عليها في المادة 142 من قانون العقوبات إذا كان الإرهابي مقبوضا عليه وسهل التمويل هروبه.
1- نصت الفقرة الأولى من المادة 13 من قانون مكافحة الإرهاب على أن يعاقب بالسجن المؤبد كل من ارتكب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب إذا كان التمويل لإرهابي، وتكون العقوبة الإعدام إذا كان التمويل لجماعة إرهابية أو لعمل إرهابي.
ونلاحظ على هذا النص أنه ميز في العقوبة بين التمويل لإرهابي والتمويل لعمل إرهابي، بينما هذا العمل يعد جزءا في معظم الجرائم الإرهابية التي تقع بالنظر إلى الوسيلة الإرهابية والغرض الإرهابي، باعتبار أن هذين الأمرين يتمثلان في العمل الإرهابي نفسه. ووفقا لتعريف الإرهابي في في المادة الأولى (ب) فإنه من يرتكب أو يشرع في ارتكاب أو يحرض أو يهدد أو يخطط في الداخل أو الخارج لجريمة إرهابية بأية وسيلة كانت.
2- نصت الفقرة الثانية من المادة 13 من قانون مكافحة الإرهاب على أنه في الأحوال التي ترتكب فيها الجريمة بواسطة جماعة إرهابية، يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية لهذه الجماعة بالعقوبة المقررة في الفقرة الأولى من المادة 13 السابق بيانها مادامت الجريمة قد ارتكب لحساب الجماعة أو لمصلحتها.
3- نصت الفقرة الثالثة من المادة 13 المشار إليها على أن تعاقب الجماعة الإرهابية بغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثة ملايين جنيه، وتكون مسئولة بالتضامن عن الوفاء بما يحكم به من عقوبات مالية أو تعويضات.
ونلاحظ أن الحكم على الجماعة بالغرامة لا يتأتى إلا إذا كانت تتخفى في شكل قانوني، بحسب أن الغرامة لا تفرض إلا على شخص قانوني، فإذا لم يكن للجماعة شكل قانوني قضي بالغرامة على جميع أعضائها بالتضامن فيما بينهم.